فصل: ثم دخلت سنة خمس وسبعمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **


  ثم دخلت سنة ثلاث وسبعمائة

ذكر وفاة قازان ملك التتر فـي هـذه السنـة توفـي قـازان بـن أرغـون بـن أبغـا بـن هولاكـو بـن طلـو بـن جنكزخـان بنواحـي الـري فـي أواخـر هـذه السنـة وكـان قـد ملـك فـي أواخـر سنـة أربـع وتسعيـن وسبعمائة فيكون مدة مملكته ثمان سنين وعشرة أشهر وكان قد اشتد همه بسبب هزيمة عسكره وكسرتهم على مرج الصفر فلحقه حمى حادة ومات مكموداً ولما مات قازان ملك أخوه خربند بن أرغون وكان جلوسه في الملك في الثالث والعشرين من ذي الحجة من هذه السنة وتلقب الجنبو سلطان‏.‏

ذكر قدوم قبجق إلى حماة قد تقدم في سنة اثنتبن وسبعمائة ذكر وفاة زين الدين كتبغا نائب السلطنة بحماة وأنه رتب موضعه سيف الدين قبجق وكانت الشوبك إقطاع قبجق وكان مقيماً بها فلما أعطي نيابة السلطنة بحماة وارتجعت منه الشوبك أقام بها حتى جهز أشغاله وسار من الشوبك في ثالث صفر من هذه السنة أعني سنة ثلاث وسبعمائة ولما قارب حماة خرجنا لملتقاه إلى العنثـر وعملنا له الضيافات وقدمنا له التقادم وسرنا معه ودخلنا حماة في صبيحة يوم السبت وهو الثالث والعشرين من صفر من هذه السنة والموافق السادس تشرين الأول من شهور الروم ونزل بدار الملك المظفر صاحب حماة واستقر قدمه بحماة‏.‏

في هذه السنة بعد العصر من نهار الأحد خامس جمادى الأولى وخامس عشر كانون الأول توفيت عمتي مؤنسة خاتون بنت الملك المظفر محمود ابن ملك المنصور محمد ابن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب وأمها غازية خاتون بنت السلطان الملك الكامل وكان مولد مؤنسة خاتون المذكورة في سنة ثلاث وثلاثين وستمائة وكانت كثيرة الصدقات والمعروف عملت مدرسة بمدينة حمـاة تعـرف بالخاتونيـة ووقفـت عليهـا وقفـاً جليـلاً رحمهـا اللـه تعالـى ورضي عنها وهي آخر من كان قد بقي من أولاد الملك المظفر صاحب حماة‏.‏

وفيها كثر الموت في الخيـل فهلـك منهـا مـا لا يحصـى حتـى خلـت غالـب اسطبلـات الأمـراء والجند‏.‏

وفيها توفي عزالدين أيبك الحموى نائب حمص‏.‏

وفيها توفي إلى الحجاز الشريف لقضاء حجة الفرض ووجدت سلار قد حج من جهة مصر وصحبته عدة كثيرة من الأمراء ووقفنا الإثنين والثلاثاء للشك في أول الشهر وعدنا إلى البلاد وخرجت هذه السنة ونحن قد برزنا من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم‏.‏

وفي أواخر هذه السنة جردت العساكر من مصر وسيف الدين قبجق بعسكر حماة وقراستفر بعسكر حلب ودخلوا إلى بلاد سيس وحاصروا تل حمدون وفتحوها بالأمان وارتجعوها من

  ثم دخلت سنة أربـع وسبعمائـة

وفـي هـذه السنة وصل من المغرب ركب كبير وصحبتهم رسول من أبي يعقوب يوسف بن يعقوب المريني ملك المغرب ووصل صحبته إلى ديار مصر هدية عظيمة من الخيول والبغال ما يقارب خمسمائة رأس من الخيل العربية بالسروج واللجم والركب المكفنة بالذهب المصري‏.‏

وفيها وصل إلى مصر صاحب دنقلة وهو عبد أسود اسمه أياي ووصل صحبته هدية كثيرة في الرقيق والهجن والأبقار والنمور والشب والسنباذج وطلب نجدة من السلطان فجرد معه جماعة من العسكر وقدم عليهم طقصبا نائب السلطنة بقوص‏.‏

وفيها أعيد رميثة وحميضة ابنا أبي نمي لما ملك مكة حرسها الله تعالى‏.‏

وفيها توفي جماز بن شيحة صاحب مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وملك بعده ابنه منصور بن جماز‏.‏

وفيها وصلت إلى حماة في يوم السبت عاشر صفر عائداً من الحجاز الشريف بعد زيارة القدس الشريف والخليل صلوات الله عليه وسلامه‏.‏

  ثم دخلت سنة خمس وسبعمائة

في أوائل المحرم من هذه السنة الموافق للعشر الأخير من تموز أرسل قراسنقر نائب السلطنة بحلب مع قشتمـر مملوكـه عسكـر حلـب للإغـارة علـى بلـاد سيـس فدخلوهـا فـي أول الشهـر المذكور وكان قشتمر المذكور ضعيف العقل قليل التدبير مشتغلاً بالخمـر ففـرط فـي حفـظ العسكر ولم يكشف أخبار العدو واستهان بهم فجمع صاحب سيس جموعاً كثيرة من التتر وانضمت إليهم الأرمن والفرنج ووصلوا على غرة إلى قشتمر المذكـور ومـن معـه مـن الأمـراء وعسكر حلب والتقوا بالقرب من إياس فلم يكن للحلبيين قدرة بمن جاءهم فتولوا يبتدرون الطريـق وتمكنت التتر والأرمن منهم فقتلوا وأسموا غالبهم واختفى من سلم في تلك الجبال ولم يصـل إلـى حلـب منهم إلا القليل عرايا بغير خيل وكان صاحب سيس في هذه السنة هيتوم بن ليفون بن هيتوم وهو الذي أمسكه أخوه سنباط وسمله فذهبت عينه الواحدة وبقي أعور حسبما تقدم ذكره في سنة تسع وتسعين وستمائة‏.‏

ذكر غير ذلك في هذه السنة قطع خبر بدر الدين بكتاش أمير سلاح لكبره وعجزه عن الحركة‏.‏

وفيها أفرج عن الحاج بهادر الظاهـري وكـان قـد اعتقلـه حسـام الديـن لاجيـن الملقـب بالملـك وفيهـا هلـك قطلوشـاه نائـب خربنـدا قتلـه أهـل كيلـان لأنهـم عصوا وسار قطلوشاه لقتلهم فكبسـوه وقتلـوه وقتـل معـه جماعة من المغل‏.‏

وفيها سار جمال الدين أقوش الأفرم بعسكر دمشق وغيره من عساكر الشام إلى جبال الظنينين وكانوا عصاة مارقين من الدين فأحاطت العساكر الإسلامية بتلك الجبال المنيعة وترجلوا عن خيولهم وصعدوا في تلك الجبال من كل الجهات وقتلوا وأسروا جميع من بها من النصيرية والظنينين وغيرهم من المارقين وطفرت تلك الجبال منهم وهي جبال شاهقة بين دمشق وطرابلس وأمنت الطرق بعد ذلك فإنهم كانوا يقطعون الطريق ويتخطفون المسلمين ويبيعونهم للكفار‏.‏

وفيها استدعي تقي الدين أحمد بن تيمية من دمشـق إلـى مصـر وعقـد لـه مجلـس وأمسـك وأودع الاعتقـال بسبـب عقيدتـه فإنـه كـان يقول بالتجسيم على ما هو منسوب إلى ابن حنبل‏.‏

  ثم دخلت سنة ست وسبعمائة

ذكر من ملك في هذه السنة بلاد المغرب من بني مرين قـد تقـدم ذكـر بنـي مريـن فـي سنـة اثنتيـن وسبعين وستمائة وأنه استقر في الملك منهم يعقوب ثم ابنـه يوسـف ولمـا كـان فـي هـذه السنـة قتـل أبـو يعقـوب يوسـف بـن يعقـوب بـن عبـد الحق بن محيو ابن حمامة المريني ملك المغرب وهو محاصر تلمسان وكان قد أقام على حصارها سنين كثيـرة ونفدت أقوات أهل تلمسان ولم يبق عندهم ما يكفيهم شهراً و أيقنوا بالعطب ففرج الله عنهم بقتل المريني المذكور وسبب قتله أنه اتهم وزيره بتعرضه إلى حرمه واتهـم زمـام داره وكـان اسمه عنبر بمواطاة الوزير على ذلك وأمر بحبس الوزير وأمر بقتل زمام داره عنبر ولما أخرج

عنبر ليقتل مر بالخدام فقالوا‏:‏ ما الخبر فقال‏:‏ أمر بقتلي وسيقتلكم كلكم بعدي فهجم بعض الخـدام بسكيـن علـى أبـي يعقـوب المذكـور وقـد خضـب أبو يعقوب لحيته بحناء وهو نائم على قفاه فضربه الخادم بالسكين في جوفه وهرب عنه وأغلق الباب عليه وكان هناك امرأة لخدمة أبي يعقوب فصاحت فدخل أصحابه عليه وبه بعض الرمق فأوصى إلى ابنه أبي سالم بن أبي يعقوب ومات ولما مات أبو يعقوب المذكور جلس في الملك بعده ولده أبو سالم بن يوسف المذكور‏.‏

ولما ملك أبو سالم قصده ابن عمه أبو ثابت عامر بن عبد الله بن يعقوب بن عبد الحـق وقيـل إن أبـا ثابـت هـو عامر بن عبد الله بن يوسف ابن أبي يعقوب فيكون ابن أخي أبي سالم لا ابن عمه وانضم مع أبي ثابت يحيى بن يعقوب عم أبي سالم فلما قارباه هرب أبو سالـم بـن يوسـف منهما فأرسلا في إثره من تبعه وقتله وحمل رأس أبي سالم المذكور إلى أبي ثابت عامر المذكور‏.‏

ولما قتل أبو سالم استقر أبو ثابت عامر في المملكة وكان جلوسه في الملك في منتصف هذه السنة أعني سنة ست وسبعمائة‏.‏

ولما استقر أمر بقتل الخادم الذي قتل عمه يوسف فقتل ثم أمر بقتل الخدام عن آخرهم فقتلوا وأضرمت لهم النيران وألقوا فيها ولم يترك أبو ثابت بمملكته خادماً خصياً حتى أباده ثم إن أبا ثابت المذكور وثب على عمه يحيـى فقتلـه فـي ثانـي يـوم استقـراره فـي الملك ثم سار أبو ثابت إلى فاس وأرسل مستحفظاً من بنـي عمـه اسمـه يوسـف بـن أبـي عبـاد إلـى مراكـش ثـم إن يوسـف المذكـور بعـد استمـراره فـي مراكـش خلع طاعة أبي ثابت عامر المذكور وكان منه ما سنذكره‏.‏

ذكر غير ذلك من الحوادث وفي هذه السنة توفي الأمير بدر الدين بكتاش الفخري المعروف بأمير سلاح وكان بين قطع خبره ووفاته دون أربعة أشهر‏.‏

  ثم دخلت سنة سبع وسبعمائة

ذكر وفاة عامر ملك المغرب وذكر من تملك بعده‏:‏ فـي أواخر هذه السنة توفي أبو ثابت عامر بن عبد الله بن يوسف أبي يعقوب بن يعقوب بن عبد الحق بن محيو بن حمامة ملك المغرب وكانت مدة ملكه سنة وثلاثة أشهر وأياماً وقيل سنـة ونصفـاً وتوفـي بطنجـة فإنـه لمـا عصـى عليـه ابـن عمـه يوسف بن أبي عباد بمراكش سار إليه أبو ثابت المذكور فاقتتل معه يوسف فانتصر أبو ثابـت وولـى يوسـف مهزمـاً فأخـذ أسيـراً وقتل من أصحابه جماعة كثيرة واستقامت مراكش لأبي ثابت ثم عاد أبو ثابت المذكور إلى طنجة لقتال قوم بها من الأعراب فأدركته منيته بها‏.‏

ولمـا مـات أبـو ثابـت جلـس في الملك بعده ابن عمه على بن يوسف ثم خلعه الوزير وجماعة من العسكـر بعـد يوميـن مـن جلوسـه وأقامـوا فـي الملك سليمان بن عبد الله بن يوسف بن يعقوب ابن عبد الحق بن محيو وبايعوه فاستمال الناس وأنفق فيهم الأموال وزاد في عطيـات بنـي مريـن وأطلق المكوس وأحسن إلى الرعية وقبـض علـى علـي بـن يوسـف المخلـوع واعتقلـه بطنجـة واستقرت قدم سليمان في الملك واستقامت له الأمور‏.‏

ذكر قتل صاحب سيس وقتل ابن أخيه وفي هذه السنة قتل برلغي وهو مقدم المغل المقيمين ببلاد الروم صاحب سيس هيتوم بن ليفـون بـن هيتـوم المقـدم ذكره بعد أن ذبح ابن أخيه تروس الصغير على صدره واستقر في ملك سيس وبلاد أوشين بن ليفون أخو هيتوم المذكور ولما قتله برلغي مضى أخو هيتوم المذكور الناق بن ليفون صحبة برلغي وشكا إلى خربندا فأمر خربندا ببرلغي فقتل بالسيف‏.‏

وفيها عزم سلام على المسير إلى اليمن والاستيلاء عليه وعينـت العساكـر للمسيـر صحبتـه وجهزت الآلات في المراكب من عيذاب ثم أنهى عزمه عن ذلك‏.‏

وفيها نزل سيف الدين كراي المنصوري عن إقطاعه بديار مصر واستقـال مـن الإمـرة فأقيـل وبقـي بطـالاً حتـى اتهـم عليـه مولانـا السلطـان فيمـا بعـد بإقطاع وأعطاه نيابة السلطنة بدمشق على ما سنذكره‏.‏

وفيها توفي ركن الدين بيبرس العجمي الصالحي المعـروف بالجالـق أحـد البحريـة وكـان آخـر البحرية وكان قد أسن‏.‏

  ثم دخلت سنة ثمان وسبعمائة

ذكر مسير السلطان إلى الكرك واستيلاء بيبرس الجاشنكير على المملكة وفي هذه السنة في يوم السبت الخامس والعشرين من شهر رمضان خـرج مولانـا السلطـان الملك الناصر ناصر الدنيا والدين محمد بن قلاوون الصالحي من الديـار المصريـة متوجهـاً إلـى الحجاز الشريف وسار في خدمته جماعة من الأمراء منهم الأمير عز الدين أيدمر الخطيري والأميـر حسام الدين قرالاجين والأمير سيف الدين آل ملك وغيرهم ووصل إلى الصالحية وعيد بها عيد الفطر ثم سار إلى الكرك فوصل إليها في عاشر شوال وكان النائب بها جمال الدين أبقوش الأشرفي فعمل سماطاً واحتفل به وعبر السلطان إلى المدينة ثم إلى القلعة ولما عبر السلطان على الجسر إلى القلعة والأمراء ماشون بين يديه والمماليك حول فرسه وخلفه سقط بهم جسر قلعة الكرك وقد حصرت يد فرس مولانا السلطان وهو راكبه داخل عتبة الباب فلمـا أحـس الفـرس بسقـوط الجسـر أسـرع حتـى كاد أن يدوس الأمراء الماشين بين يديه وسقط من مماليك مولانا السلطان خمس وثلاثون إلى الخندق وسقط غيرهم من أهل الكرك ولم يهلك من المماليـك غيـر شخـص واحـد لـم يكن من الخواص ونزل في الوقت مولانا السلطان خلد الله تعالى ملكه عند الباب وأحضر الجنوبات والجبـال ورفـع الذيـن وقعـوا عـن آخرهـم وأمـر بمداواتهـم فصلحـوا وعـادوا إلـى مـا كانـوا عليـه في مدة يسيرة وكان ذلك من عنوان سعادة مولانا جعلها الله تعالى خارقة للعوائد‏.‏

فإن ارتفاع الجسر الذي سقطوا منه إلى الخندق يقارب خمسين ذراعاً‏.‏

ولما استقر مولانا السلطـان بقلعـة الكـرك أمـر جمـال الديـن أقـوش نائـب السلطنـة بهـا والأمـراء الذيـن حضـروا فـي خدمتـه بالمسيـر إلـى الديـار المصريـة وأعلمهـم أنه جعل السفر إلى الحجاز وسيلة إلى المقام بالكرك وكان سبب ذلك استيلاء سلار وبيرس الجاشنكير على المملكة واستبدادهما بالأمور وتجاوز الحد في الانفراد بالأموال والأمر والنهي ولم يتركا لمولانا السلطان غير الاسم مع ما كان منهما من محاصرة مولانا السلطان في القلعة وغير ذلك مما لا تنكمش النفس منه فأنف مولانا السلطان خلد الله ملكه من ذلك وترك الديار المصرية وأقام بالكرك ولما وصلت الأمراء إلى الديار المصرية وأعلموا من بها بإقامة السلطان بالكرك وفراقه الديار المصرية اشتـوروا فيمـا بينهـم واتفقـوا علـى أن تكـون السلطنـة لبيبـرس الجاشنكيـر وأن يكـون سلار مستمراً على نيابة السلطنة كما كان عليه وحلفوا على ذلك وركب بيبرس الجاشنكير مـن داره بشعـار السلطنـة إلـى الإيـوان الكبير بقلعة الجبل وجلس على سرير الملك في يوم السبت الثالث والعشرين من شوال هذه السنة أعني سنة ثمان وسبعمائة وتلقب بالملك المظفر ركن الدين بيبرس المنصوري وأرسل إلى نواب السلطنة بالشام فحلفوا له عن آخرهم وكتب تقليداً لمولانا السلطان بالكرك ومنشوراً بما عينه له من الإقطاع بزعمه وأرسلهما إليه واستقر الحال على ذلك حتى خرجت هذه السنة‏.‏

وفيها ملك الفرنج الاستبتار جزيرة رودس وأخذتها من الأشكري صاحب قسطنطينية وصعـب بسبـب ذلـك علـى التجـار الوصـول فـي البحـر إلـى هـذه الديـار لمنـع الاستبتار من يصل إلى بلاد الإسلام‏.‏

وفيهـا أرسـل صاحـب تونس أبو حفص عمر أسطولاً وعسكر إلى جزيرة جربة وهي جزيرة في البحر الرومي ومسيرتها من قابس يوم واحد ولهذه الجزيرة مخاضة إلى البر ودور هذه الجزيرة ستة وسبعون يومـاً وكانـت بأيـدي المسلميـن فتغلـب عليهـا الفرنـج وملكوهـا فـي سنـة ثمانيـن وستمائة فلما كانت هذه السنة أرسل إليهم صاحب تونس عسكراً وقاتلهم فاستنجد أهل هـذه الجزيرة بفرنج صقلية فلما وصل أسطول صقلية إليهم عاد أسطول صاحب تونس إليه ولم يتمكنوا من فتحها‏.‏

وفيهـا مـات الأميـر خضـر ابـن الملـك الظاهـر بيبـرس ببـاب القنطـرة وكـان المذكـور قـد جهـزه السلطان الملك الأشرف خليل ابن السلطـان الملـك المنصـور قلـاوون إلـى القسطنطينيـة فبقـي فيهـا‏.‏

هـو وأخـوه وأهلـه مـدة وتوفـي سلامـش أخـوه هنـاك ثم عاد خضر المذكور إلى القاهرة وأقام عند باب القنطرة وتوفي في هذه السنة‏.‏

  ثم دخلت سنة تسع وسبعمائة

على ذلك وفي هذه السنة وصل من مصر الأمير جمال الدين أقوش الموصل المعروف بقتال السبع وأصله من مماليك بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل وكذلك وصل لاجين الجاشنكير المعروف بالزرتاج وصحبتهما تقدير ألفي فارس مـن عسكـر مصـر وجردنـي الأميـر سيـف الديـن قبجـق نائـب السلطنة بحماة وجرد معي جماعة من عسكر حماة فسرنا ودخلنا حلب يوم الخميس تاسـع عشر ربيع الآخر من هذه السنة الموافـق للخامـس والعشريـن مـن أيلـول وكـان نائـب السلطنـة بحلب قراسنقر المنصوري ووصل أيضاً جماعة من عسكر دمشق مع الحاج بهادور الظاهري فأخـذ قراسنقـر فـي الباطـن يستميـل النـاس إلـى طاعة مولانا السلطان ويقبح عندهم طاعة بيبرس الجاشنكير الملقب بالملك المظفر‏.‏

ذكر مسير مولانا السلطان من الكرك وعوده إليها وفي هذه السنة سار جماعة من المماليك على حمية من الديار المصرية مفارقين طاعة بيبرس الجاشنكير الملقب بالملك المظفر ووصلـوا إلـى السلطـان بالكـرك وأعلمـوه بمـا النـاس عليـه مـن طاعته ومحبته فأعاد السلطان خطبته بالكرك ووصلت إليه مكاتبات عسكر دمشق يستدعونه وأنهم باقون في طاعته وكذلك وصلت إليه من حلب المكاتبات فسار السلطان بمن معه من الكرك في جمادى الآخرة من هذه السنة ووصل إلى حمان وهي قرية قريب من رأس الماء فعمل جمال الدين أقوش عليه الحيلة وأرسل إليه قرابغا مملوك قراسنقر برسالة كذبها على قراسنقر وكان قرابغا سار إلى الأفرم بمكاتبة تتعلق به بمفرده فأرسله الأفرم إلـى السلطـان فسار من دمشق ولاقى السلطان بحمان فأنهى قرابغا المذكور ما حمله الأفرم من الكذب مما يقتضي رجوع مولانا السلطان فلما سمع مولانا السلطان قرابغا ظنه حقاً ورجع إلـى الكـرك واستمرت العساكر على طاعة مولانا السلطان واستدعائه ثانياً وانحلت دولة بيبرس الجاشنكير وجاهره الناس بالخلاف ولما جرى ذلك وبلغ العساكر المقيمين بحلب ساروا من حلب من غير دستور وسرت أنا بمن معي من عسكر حماة ودخلـت حمـاة يـوم الثلاثـاء التاسـع عشـر مـن رجب والثالث والعشرين من كانون الأول‏.‏

ذكر مسير مولانا السلطان إلى دمشق واستقرار ملكه بها ولما تحقق مولانا السلطان الملك الناصر صدق طاعة العساكر الشاميـة وبقائهـم علـى طاعتـه ومحبته عاود المسير إلى دمشق وخرج من الكرك وخرجت عساكر دمشق إلى طاعته وتلقوه وأمـا أقـوش الأفـرم نائب السلطنة بدمشق فإنه هرب ووصل السلطان إلى دمشق في يوم الثلاثاء عاشر شعبان من هذه السنة الموافق لعشرين من كانون الثاني وهيئت له قلعة دمشق فلم ينزل بها ونزل بالقصر الأبلق وأرسل الأفرم وطلب الأمان من السلطان فأمنه فقدم إلى طاعته إلى دمشق وسار قبجق من حماة وسار العسكر الحموي صحبته وكذلك سار أسندمر بعسكر الساحل ووصل قبجق وأسندمر ومن معهما من العساكر إلى خدمة السلطان بدمشق في يوم الاثنين الرابع والعشرين من شعبان من هذه السنة وقدمت تقدمتي ومن جملتها مملوكي طقزتمر في يوم الأربعاء السادس والعشريـن مـن شعبـان المذكـور فحصـل مـن مولانـا السلطـان القبـول والصدقـة والمواعيـد الصادقـة بالتصـدق علي بحماة على عادة أهلي وأقاربي ثم وصل قراسنقـر إلـى دمشـق بعسكـر حلب يوم الجمعة الثامن والعشرين من شعبان وكان وصل قبل ذلك سيف الدين بكتمر المعروف بأمير جاندار من صفـد ولمـا تكاملـت للسلطـان عساكـر الشـام أمرهم بالتجهيز للمسير إلى ديار مصر‏.‏

واستقراره في سلطنته وفـي هذه السنة لما تكاملت العساكر الشامية عند السلطان بدمشق أرسل إلى الكرك وأحضر مـا كـان بهـا مـن الحواصـل وأنفـق في العسكر وسار بهم من دمشق في يوم الثلاثاء تاسع رمضان من هذه السنة الموافق لعاشر شباط ولما بلغ بيبرس الجاشنكير ونائبه ذلـك جـرداً عسكـراً ضخماً مع برلغي وغيره من المقدمين فساروا إلى الصالحية وأقاموا بها وكان برلغي من أكبر أصحاب الجاشنكير وكأن الشاعر أراده بقوله‏:‏

فكان الذي استنصحت أول خائن ** وكان الذي استصفيت من أعظم العدى

وسارت العساكر في خدمة السلطان وكان الفصل شتاءً والخوف شديداً من الأمطار وتوحل الأرض وقدر الله تعالى لنا بالصحو والدفء وعدم الأمطار واستمر ذلك حتى وصلنا في خدمتـه إلـى غـزة فـي يـوم الجمعـة تاسـع عشـر رمضان من هذه السنة ولما وصل السلطان إلى غرة قدم إلى طاعته عسكر مصر أولاً فأولاً وكان ممن قدم أيضاً برلغي وغيره من المقدمين ومعهم عدة كثيرة من العسكر ثم تتابعت الأطلاب وكان يلتقي مولانا السلطان في كل يوم وهو سائر طلب بعـد طلـب مـن الأمـراء والمماليـك والأجنـاد ويقبلـون الـأرض ويسيـرون صحبـة الركـاب ولما تحقق بيبـرس الجاشنكيـر ذلـك خلـع نفسـه مـن السلطنـة وأرسـل مـع ركـن الديـن بيبـرس الـدواداري ومـع بهـادراص يطلـب الأمـان مـن مولانـا السلطـان وأن يتصـدق عليه ويعطيه إما الكرك أو حماة أو صهيون وأن يكون معه ثلاثمائة مملوك من مماليكه فوقعت إجابة السلطان إلى مائة مملوك وأن يعطيه صهيون وأتم مولانا السير وهرب الجاشنكير من قلعة الجبل إلى جهـة الصعيد وخرج سلار إلى طاعة مولانا السلطان والتقاه يوم الاثنين الثامن والعشرين من رمضان قاطع بركة الحجاج وقتل الأرض وضرب لمولانا السلطان الدهليز بالبركة في النهـار المذكـور وأقام بها يوم الثلاثاء سلـخ رمضـان وعيـد يـوم الأربعـاء بالبركـة ورحـل السلطـان فـي نهـاره والعساكـر الشاميـة والمصريـة سائـرون فـي خدمتـه وعلـى رأسه الجتر ووصل إلى قلعة الجبل وسار إليهـا واستقـر علـى سرير ملكه بعد العصر من نهار الأربعاء مستهل شوال من هذه السنة أعني سنة تسع وسبعمائة الموافق لرابع آذار من شهور الروم وهي سلطنته الثالثة وفي يوم الجمعة ثالث شوال وهو اليوم الثالث مـن وصـول مولانـا السلطـان سـار سلـار مـن قلعـة الجبـل إلـى الشوبك بحكم أن السلطان أنعم بها عليه وقطع خبزه من الديار المصرية وأعطى السلطان نيابة السلطنة بحلب سيف الدين قبجق وارتجع منه حماة وسار قبجق من مصر يوم الخميس تاسع شوال ورسم لعسكر حماة بالمسير معه وتصدق علي وطيب خاطري بأنه لا بد من إنجاز ما وعدني به من ملك حماة وإنما أخر ذلك لما بين يديه من المهمات والأشغال المعوقة من ذلك فسرنـا مـع قبجـق مـن مصـر متوجهيـن إلـى الشـام في التاريخ المذكور ووصلنا إلى حماة يوم الخميس خامس عشر ذي القعدة من هذه السنة ثم رسم السلطان للأمير جمال الديـن أقـوش الأفـرم بصرخد فسار إليها وقرر نيابـة السلطنـة بالشـام لشمـس الديـن قراسنقـر وقـرر حمـاة للحـاج بهـادر الظاهـري ثـم ارتجعهـا منـه وقرره في نيابة السلطنة بالحصون والفتوحات بعد عزل أسندمر عنهـا وكـان قد حصلت بيني وبين أسندمر عداوة مستحكمة بسبب ميله إلى أخيه فقصد أن يعدل بحماة عني إليه فلم يوافقه السلطان إلى ذلك فلما رأى أن السلطان يتصدق بحماة علي طلبها أسندمر لنفسه فما أمكن السلطان منعه منها فرسم السلطان بحمـاة لأسندمـر وتأخـر حضوره لأمور اقتضت ذلك وقرر السلطان الأمير سيف الدين بكتمر الجوكاندار في نيابة السلطنة بديار مصر‏.‏